ثمن سلاح حماس- دماء الفلسطينيين.. عبثية الحرب وغياب الحلول
المؤلف: بشرى فيصل السباعي09.21.2025

أعلنت حركة حماس موقفها الرافض القاطع لشروط وقف إطلاق النار التي وضعتها إسرائيل، والتي تتضمن تجريد الحركة من سلاحها. هذا الرفض يؤذن باستمرار المأساة الإنسانية في غزة، حيث يواجه المدنيون الفلسطينيون قصفًا مستمرًا، وظروفًا معيشية قاسية تتضمن الجوع والعطش والتهجير القسري، بينما ينعم مقاتلو حماس بالأمان النسبي في الأنفاق المحصنة. يثير هذا المشهد تساؤلات جوهرية حول أخلاقية هذا القرار وعما إذا كان يتماشى مع مبادئ الشريعة الإسلامية السمحة. ففي الحديث الشريف عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: «رأيت رسول الله يطوف بالكعبة ويقول ما أطيبك وأطيب ريحك، ما أعظمك وأعظم حرمتك، والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك، ماله ودمه». هذا الحديث النبوي الشريف يؤكد على عظمة حرمة الإنسان وكرامته، وأنها تفوق حتى حرمة الكعبة المشرفة.
إن دماء الفلسطينيين وممتلكاتهم المدمرة تفوق في الأهمية والقدسية أي سلاح تمتلكه حماس. ولكن يبدو أن سلاح حماس قد تحول من مجرد وسيلة للدفاع إلى غاية في حد ذاته، يدفع ثمنها الباهظ المدنيون الفلسطينيون من دمائهم الزكية دون تحقيق مكاسب حقيقية ملموسة. ما هي النتائج الإيجابية التي تحققت جراء عملية 7 أكتوبر؟ ففي مقابل إطلاق سراح عدد محدود من الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، تم اعتقال الآلاف من أبناء غزة وتعريضهم لألوان التعذيب والإهانة بما في ذلك الاعتداءات الجنسية، بالإضافة إلى استشهاد ما يقارب 51 ألف فلسطيني، غالبيتهم الساحقة من الأطفال الأبرياء. فهل من المقبول شرعًا وعقلاً أن تكون هذه الدماء والأرواح الطاهرة ثمنًا لبقاء سلاح حماس في قبضتها؟
إن كل من يقدر قيمة وحرمة دماء الفلسطينيين لن يقبل هذا الثمن الفادح الذي يدفعه الأبرياء ثمناً لسلاح حماس. إذا كانت حماس قد أخطأت في تقدير ردة الفعل الإسرائيلية العنيفة على عملياتها، فعليها أن تتحمل مسؤولية هذا الخطأ، سواء كان ذلك من خلال نزع سلاحها أو حتى التنازل عن السلطة في غزة لصالح السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية. ليس من الإنصاف ولا من الأخلاق أن يبقى المدنيون الفلسطينيون يدفعون ثمن أخطاء حماس من دمائهم ودموعهم.
للأسف الشديد، فإن التعبير عن هذه الحقيقة أصبح يجلب على صاحبه اتهامات بالخيانة والعمالة، وهذا في الواقع هو الخيانة الحقيقية لقيمة وحرمة دماء الفلسطينيين. إن البوصلة الأخلاقية السليمة تقتضي الحفاظ على دماء المدنيين الفلسطينيين، وكل ما يعرض حياتهم للخطر يجب إدانته بصوت عالٍ وواضح لردع حركة حماس عن الاستمرار في عملياتها العبثية التي لا تجلب على أهل غزة سوى القتل والدمار والعذاب. يتضح جليًا من مواقف حماس التفاوضية أنها لم تستوعب الدرس القاسي من ردة الفعل الإسرائيلية الوحشية على عملياتها المتكررة. فما هو الحل إذن؟ يجب على الوسطاء العرب الضغط بقوة على حماس لكي تولي اهتمامًا أكبر لقيمة وحرمة دماء الفلسطينيين، وأن لا يكون هدفها الأوحد هو الحفاظ على سلاحها وسلطتها.
تسعى إسرائيل من خلال استهداف المدنيين الفلسطينيين إلى إثارة النقمة ضدهم ودفعهم إلى التخلي عن دعم حماس، ولكن من يجرؤ على انتقاد حماس علنًا يتعرض لأشد أنواع العقاب والانتقام من قبل أتباعها. وهكذا، يجد أهل غزة أنفسهم عالقين بين مطرقة إسرائيل وسندان حماس، ولا يكترث أي من الطرفين بالجحيم الذي يعيشونه. إن انتقاد سياسات حماس التي تتجاهل قيمة وحرمة دماء الفلسطينيين لا يعني بأي حال من الأحوال تأييدًا لجرائم إسرائيل، كما يدعي أصحاب نظريات التخوين. إن من يحب الفلسطينيين حقًا ويهتم بمصلحتهم الحقيقية لا يكترث لاتهامات التخوين عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن قيمة وحرمة دمائهم ومعارضة كل ما يجلب عليهم الحرب والدمار والقتل والتجويع من عمليات غير مجدية لا تحقق أي فائدة حقيقية على أرض الواقع. هذا هو الموقف الذي يريده أهل غزة، ولكنهم لا يستطيعون التعبير عنه خوفًا من انتقام حماس. إن من يحب الفلسطينيين حقًا سينحاز إلى مصلحة الشعب الفلسطيني وليس مصلحة حماس، فقد أصبح هناك تعارض صارخ بين المصلحتين.
